سورة المائدة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{قد سألها} أَي: الآيات {قومٌ من قبلكم...} الآية. يعني: قوم عيسى سألوا المائدة ثمَّ كفروا بها، وقوم صالح سألوا النَّاقة ثمَّ عقروها.
{ما جعل الله من بحيرة} أَيْ: ما أوجبها ولا أمر بها، والبحيرة: النَّاقة إذا نُتجت خمسة أبطن شقُّوا أُذنها، وامتنعوا من ركوبها وذبحها {ولا سائبة} هو ما كانوا يُسيبِّونه لآلهتهم في نذرٍ يلزمهم إنْ شفي مريض، أو قضيت لهم حاجة {ولا وصيلة} كانت الشَّاة إذا ولدت أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكراً جعلوه لآلهتهم، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذَّكر لآلهتهم {ولا حامٍ} إذا نُتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فلم يُركب ولم يُنتفع، وسيِّب لأصنامهم فلا يُحمل عليه {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب} يتقوَّلون على الله الأباطيل في تحريم هذه الأنعام، وهم جعلوها مُحرَّمة لا الله، {وأكثرهم} يعني: أتباع رؤسائهم الذين سنُّوا لهم تحريم هذه الأنعام، {لا يعقلون} أنَّ ذلك كذبٌ وافتراءٌ على الله من الرُّؤساء.
{وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله} في القرآن من تحليل ما حرَّمتم {قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} من الدِّين {أَوَلوْ كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون} مفسَّرة في سورة البقرة.
{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} احفظوها من ملابسة المعاصي والإِصرار على الذّنوب {لا يضرُّكم مَنْ ضلَّ} من أهل الكتاب {إذا اهتديتم} أنتم {إلى الله مرجعكم جميعاً} مصيركم ومصير مَنْ خالفكم، {فينبئكم بما كنتم تعملون} يُجازيكم بأعمالكم.


{يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} نزلت هذه الآيات في قصّة تميمٍ وعديٍّ وبُديلٍ، خرجوا تجاراً إلى الشَّام، فمرض بُديل ودفع إليهما متاعه، وأَوصى إليهما أن يدفعاه إلى أهله إذا رجعا، فأخذا من متاعه إناءً من فِضَّة، وردَّا الباقي إلى أهله فعلموا بخيانتهما ورفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، ومعنى الآية: ليشهدكم {إذا حضر أحدكم الموت} وأردتم الوصية {اثنان ذوا عدل منكم} من أهل ملَّتكم تشهدونهما على الوصية {أو آخران من غيركم} من غير دينكم إذا {ضربتم} سافرتم {في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت} علم الله أنَّ من النَّاس مَنْ يسافر فيصحبُهُ في سفره أهل الكتاب دون المسلمين، ويحضره الموت فلا يجد مَنْ يُشهده على وصيته من المسلمين، فقال: {أو آخران من غيركم} فالذِّميان في السَّفر خاصَّة إذا لم يوجد غيرهما تُقبل شهادتهما في ذلك، وقوله: {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتُمْ لا نشتري به ثمناً} أَيْ: أن ارتبتم في شهادتهما وشككتم، وخشيتم أن يكونا قد خانا حبستموهما على اليمين بعد صلاة العصر، فيحلفان بالله ويقولان في يمينهما: لا نبيع الله بعرضٍ من الدُّنيا، ولا نُحابي أحداً في شهادتنا {ولو كان ذا قربى} ولو كان المشهود له ذا قربى {ولا نكتم شهادة الله} أَيْ: الشَّهادة التي أمر الله بإقامتها {إنا إذاً لمن الآثمين} إنْ كتمناها، ولمًّا رفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما، وذلك أنَّهما كانا نصرانيين، وبُديل كان مسلماً، فحلفا أنَّهما ما قبضا غير ما دفعا إلى الورثة، ولا كتما شيئاً، وخلَّى سبيلهما ثمَّ اطُّلِع على الإِناء في أيديهما، فقالا: اشتريناه منه، فارتفعوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فنزل قوله: {فإن عثر} أَيْ: ظهر واطلع {على أنهما استحقا إثماً} أَيْ: استوجباه بالخيانة والحنث في اليمين {فآخران يقومان مقامهما} من الورثة، وهم الذين {استحق عليهم} أَيْ: استحق عليهم الوصية، أو الإِيصاء، وذلك أنَّ الوصية تستحق على الورثة {الأوليان} بالميت، أَيْ: الأقربان إليه، والمعنى: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت، فيحلفان بالله: لقد ظهرنا على خيانة الذِّميِّيْن وكذبهما وتبديلهما، وهو قوله: {فيقسمان بالله لشهادتنا أحقٌّ من شهادتهما} أَيْ: يميننا أحقُّ من يمينهما {وما اعتدينا} فيما قلنا، فلمَّا نزلت هذه الآية قام اثنان من ورثة الميِّت فحلفا بالله أنَّهما خانا وكذبا، فدفع الإناء إلى أولياء الميت.
{ذلك} أَيْ: ما حَكم به في هذه القصَّة، وبيَّنه من ردِّ اليمين {أدنى} إلى الإِتيان بالشَّهادة على ما كانت {أو يخافوا} أَيْ: أقرب إلى أن يخافوا {أن ترد أيمان} على أولياء الميِّت بعد أيمان الأوصياء، فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا {واتقوا الله} أن تحلفوا أيماناً كاذبةً، أو تخونوا أمانةً {واسمعوا} الموعظة {والله لا يهدي القوم الفاسقين} لا يرشد مَنْ كان على معصيته.


{يوم يجمع الله الرسل} أَيْ: اذكروا ذلك اليوم {فيقول} لهم: {ماذا أُجِبْتُمْ} ما أجابكم قومكم في التَّوحيد؟ {قالوا لا علم لنا} من هول ذلك اليوم يذهلون عن الجواب، ثمَّ يجيبون بعدما تثوب إليهم عقولهم، فيشهدون لمن صدَّقهم، وعلى مَنْ كذَّبهم.
{إذ قال الله يا عيسى ابن مريم} مضى تفسير الآية إلى قوله: {وإذ كففت بني إسرائيل عنك} أَيْ: عن قتلك.
{وإذ أوحيت إلى الحواريين} أَيْ: ألهمتهم.
{إذ قال الحواريون يا عيسى ابنَ مريم هل يستطيع ربك} لم يشكُّوا في قدرته، ولكنْ معناه، هل يقبل ربُّك دعاءَك، وهل يسهل لك إنزال مائدة علينا من السَّماء، عَلَماً لك ودلالةً على صدقك؟ فقال عيسى: {اتقوا الله} أن تسألوه شيئاً لم تسأله الأمم من قبلكم.
{قالوا نريد أن نأكل منها} أَيْ: نريد السُّؤال من أجل هذا {وتطمئن قلوبنا} نزداد يقيناً بصدقك {ونكون عليها من الشاهدين} لله بالتَّوحيد، ولك بالنُّبوة. وقوله: {تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا} أَيْ: نتّخذ اليوم الذي تنزل فيه عيداً نُعظِّمه نحن ومَنْ يأتي بعدنا {وآيةً منك} دلالةً على توحيدك وصدق نبيِّك {وارزقنا} عليها طعاماً نأكله، وقوله: {فمن يكفر بعد منكم} أَيْ: بعد إنزال المائدة {فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين} أراد: جنساً من العذاب لا يُعذَّب به غيرهم من عالمي زمانهم.
{وإذْ قال الله يا عيسى ابن مريم} واذكر يا مُحمَّدُ حين يقول الله تعالى يوم القيامة لعيسى: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمِّي إلهين من دون الله} هذا استفهامٌ معناه التُّوبيخ لمن ادَّعى ذلك على المسيح؛ ليكِّذبهم المسيح، فتقوم عليهم الحجَّة {قال سبحانك} أَيْ: براءتك من السُّوء. {تعلم ما في نفسي} أَيْ: ما في سرِّي وما أضمره {ولا علم ما في نفسك} أَيْ: ما تخفيه أنت، وما عندك علمه ولم تُطلعنا عليه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10